هاحكيلكوا حكاية مُوجزةوسريعة جدا، كنت عايش في بنها حيث المجتمع البنهاوي والناس البنهاويةالطيبين الهاديين.. دخلت معهد الفنون المسرحيه في الهرم.. وكان خط سيرياليومي، بنها - أحمد حلمي (الموقف طبعا).. وكانت وسيلة الموصلات هيالميكروباص.. وكانت الأجرة وقتها اتنين جنيه رايح وزيهم راجع.. ولما أوصلموقف أحمد حلمي كنت باعدي من محطة مصر.. علشان أروح موقف رمسيس.. وبعد كدهأركب من رمسيس ميكروباص علشان أروح الهرم.. والأجرة كانت وقتها ستين قرشرايح جاي.. يعني مواصلات بس 124.80 جنيه في الشهر.. ده من غير أيساندويتشات أو حاجة ساقعة.. تعبت جدا.. مش من المصاريف لأني مش أنا الليباصرف.. أبويا اللي كان بيصرف.. تعبت من السفر..
فقررت آخد شقة مفروشة واقعد فيها مشاركة مع أي واحد متشحطط زيي.. المهم..لقيت الشقة وكان فاضل ألاقي المتشحطط اللي هايشاركني فيها.. ولقيته.. بسكانت الشقة ضاعت.. يعني معقولة كده؟! يوم ما ألاقي الشقة مالقيشالمتشحطط.. وإن لقيت المتشحطط مالقيش الشقة.. المهم لقيت متشحطط تاني منالزقازيق، فمسكت فيه بأيدي وسناني.. واتشحططنا إحنا الاتنين علي مالقيناشقة تانية.. كنت مسئولا عن نفسي مسئولية غير كاملة.. يعني أنيم نفسي وأصحينفسي.. لا كان حد بيحكيلي حكاية وينيمني، ولا حد بييجي يطبطب علياويصحيني.. وفرت لأبويا 124.80 جنيه فلوس المواصلات.. بس كنت باخد منه 500جنيه إيجار الشقة.. ده غير مصاريف أكلي وفسحي وفلوس السنترال لما كنتباكلمهم في بنها.. أصل ماكانش في موبايلات وقتها.. حتي لو كان في.. أكيدكنت هاخد فلوس الفواتير برضه.. كل ده بالرغم من إن الحالة المادية فيالأسرة لم تكن علي مايرام.. وكانت نخوتي وإحساسي بالآخرين وقتها أيضا لميكونا علي مايرام.. وتوطدت علاقتي بعامل السنترال خلال سنوات دراستيالأربعة في المعهد.. لما كنت في سنة أولي كان بينادي ويقول: «اللي طالببنها يدخل كابينة خمسة» إلي أن وصلت إلي البكالوريوس، فأصبح نداءه:«حلمي.. أدخل كابينة خمسة، وسلم لي عليهم».. توطدت علاقتي بكل شيء ماعداكابينة خمسة التي لم تتغير علي مدار الأربع سنوات.. كان ناقص يكتبوهاباسمي.. اتخرجت من الأكاديمية.. وفي يوم من الأيام دخلت كابينة خمسةلأتحدث مع والدي، لأطلب منه فلوس كالعادة، مستغلاً إحراجه مني، غير عابئأو بمعني أدق متناسيا حالته المادية.. وكان علي خلاف معي لأنني أنهيتدراستي ومازلت أحمله مصاريف معيشتي في القاهرة، وهو يريد مني العودة إليبنها.. وأنا لا أريد لأن النداهة ندهتني.. جهزت نفسي لمناقشة أعرف أنهاستكون حارة بيننا بسبب أنه عايزني أرجع بنها.. المهم حطيت السماعة عليودني المطرطقة وسمعت رنين التليفون في السماعة.. ورد والدي علي التليفون،ولكني لم أسمع صوته.. بل سمعت تكبيرة وهو يقول: «الله أكبر»، فعرفت أنهيُصلي، ولكنه رفع السماعه لأنه يعرف أنني أنا المُتصل بسبب رنة الترانكالطويلة.. رفع السماعة وهو يصلي خوفا من أن يظل التليفون يرن ولا أحد يجيبفأغُلق الخط، ولا أعاواد الاتصال مرة أخري.. انتظرت علي السماعة حتي يفرغمن الصلاة.. فسمعت أثناء انتظاري مكالمة بجواري في كابينة أربعة بينشخصين.. لم أسمع منها طبعا إلا حديث الطرف الذي كان بجواري في كابينةأربعة.. ووجدت نفسي أسرح معها متخيلاً ردود الطرف الثاني وفقا لردود جاريفي كابينة أربعة.. وكانت المكالمة كالآتي:
كابينة أربعة: أنا قبضت تلتميت جنيه.. مرتب الشهر
التاني: تلتميت جنيه؟ ليه..؟! إنت موظف ولا رجل أعمال؟
كابينة أربعة: إنت بتتريق؟ ده أنا مش عارف أجيب بيهم إيه؟
التاني: مش عارف ليه؟
كابينة أربعة: أنا اهو وإنت اهو.. تف علي وشي لو عرفت أجيب بيهما حاجة.
التاني: طب اهدي بس وقولي.. إنت مصاريفك إيه؟
كابينة أربعة: مبدئيا.. مابكلش لحمة لأنها بتجيب نقرس.. ولا جمبري لأنهبيعلي الكوليسترول.. ومابشربش سجاير لا مصري ولا مستورد، لأن التدخين ضاربالصحة.. ومابشربش مية معدنية، لأن مية الحنفية مستورة والحمد لله.
التاني: طب عايز عربية؟
كابينة أربعة: باحب المشي علشان كده مش عايز عربية، ولا حتي عجلة.
التاني: طب اركب أتوبيس..
كابينة أربعة: إنت مابتفهمش.. باقولك باحب المشي.. ده غير إني مقاطع كل المنتجات الأجنبية علشان أنا متدين.
التاني: طيب تحب تروح سينما؟
كابينة أربعة: باقولك متديييييين.. وأصلاً كل الأفلام هايفة.
التاني: خلاص.. روح مسرح.
كابينة أربعة: مافيش غير مسرحيتين في السوق.. لأحمد آدم وسمير غانم.. وأنا مابحبش الاتنين.
التاني: خلاص خش مسرحية عادل إمام.
كابينة أربعة: كل لما أروح أحجز مالاقيش مكان
التاني: طب مش محتاج تكييف مثلا في البيت؟
كابينة أربعة: التكييف بيكسر العضم
التاني: طب مراتك وعيالك مش عايزين حاجة؟
كابينة أربعة: هو حد فيهم يستجري يعوز حاجة؟!
التاني: طيب مانت أهو اللي مش عايز حاجة بالفلوس
كابينة أربعة: إنت هاتستهبل.. مانا اللي قايلك تف علي وشي لو عرفت اشتري بيهم حاجة.
وانتهت المكالمة.. وأنا سرحان في اللي سمعته.. معقولة يكون في موظف بياخدتلتميت جنيه في الشهر.. طب بيكفوه إزاي؟.. تلتميت جنيه موظف مرتب.. قصديمرتب موظف.. أنا كمان أبويا موظف.. معقولة ممكن بيكون بيقبض كده.. وأنارايح جاي أطلب منه فلوس.. بصراحه صعب عليا..
ثم جاء صوت والدي الدافئالحنون، فأخرجني من تركيزي الذي شرد مع المكالمة المجاورة في كابينةأربعة.. قال لي: إزيك يابني وحشتني.. لقيت نفسي باقوله: أنا اشتغلت يابابا.. وبألف جنيه في الشهر.. فرد وصوته كل فرحة وقالي بجد.. ألف مبروكيابني.. الحمد لله الحمد لله.. وأقسم لكم إنه كان فرحان علشان أنا اشتغلتمش علشان هارحمه من المصارف..
سألني وقالي: كنت عايز حاجة؟ قلت له: لأ..أنا بس كنت عايز أقولك حرماً.. فقال لي: جمعا ياسيدي.. قفلت السكة، ولقيتنفسي باسرح تاني لوحدي في كابينة خمسة.. وعرفتليه أبويا بيسيب نصيبه في اللحمة اللي بتجيبله نقرس.. وليه مابيحبش يجيبجمبري لأنه بيعلي الكوليسترول.. وليه مابيشربش سجاير لأن التدخين ضاربالصحة.. وليه بيحب المشي مع إن رجليه وجعاه.. وليه مقاطع كلالمنتجات الأجنبية علشان غالية.. قصدي علشان متدين.. وفهمت السر ورا عدمحبه لأحمد آدم وسمير غانم مع إنه كان معجب بالقرموطي في «سر الأرض».. معإن اللي كان بيعمل القرموطي والمسرحية أحمد آدم برضه مش فردوس عبدالحميد.. ده غير قهقهته علي سمير غانم في مسرحية «المتزوجون».. شكيت إنيكون اللي كان بيتكلم جنبي في كابينة أربعة: هو أبويا.. بس مستحيل لأنيكنت سامع صوت تكبيرة في الركوع والسجود.. عرفت إن أبويا مرتبه علي قده..مايفرقش كتير عن الراجل اللي كان بيتكلم جنبي.. طيب إزاي إحنا عايشين ..ويا تري عايشين بالتلتميت جنيه ولا عايشين بالستر ولا عايشين ببركة دعاءالوالدين.. في ناس بتبص للتلتميت جنيه علي إنهم «ستميت نص جنيه»، وناستانيه بتصبر نفسها أكتر وبتبص للتلتميت جنيه علي إنهم «ألف ومتين ربعجنيه».. ده غير بقي اللي شايفينهم «تلات تلاف عشرة صاغ»، وغيرهم شايفينهم«سته تلاف خمسة صاغ»، وفي بقي اللي شايفنهم «تلاتين ألف قرش».
أنا مش عارف هي الناس طماعة ولا إيه.. لما يبقي في موظف مرتبه «تلاتييييينألف قرش» في الشهر.. عايز إيه تاني؟!.. أقولك حاجة ياللي بتاخد تلتميتجنيه في الشهر.. لو حد سألك بتاخد كام في الشهر.. إبقي قوله تلاتين ألف..واسكت أو اقفل السماعة قبل ما تقول كلمة «قرش».. لأنك مش هاتعرف تكدب عليهوتبدل القرش بجنيه.. أصل لو ليك في الكدب.. كان بقي مرتبك فعلا تلاتين ألفجنيه.. الله يرحمك يا والدي.
أحمد حلمى